
معاوية يس من أسف أن هذه الكلمة تأتي بعد فاجعة رحيل الفنان محمود عبد العزيز. ضاع من بين أيدينا خلسة. والأشد عجباً أن الحكومة التي تسببت في موته- بشكل أو بآخر- كانت أول الباكين في مأتمه. فقد "احتسبته" رئاسة الجمهورية والمؤتمر غير الوطني ورئاسة الشرطة ومعتمدية الخرطوم بحري. والأكثر إثارة للتعجب والأسى أن رئيس جهاز الأمن الوطني والمخابرات الفريق المهندس محمد عطا المولى وجه بإرسال طائرة لتقل جثمان الفقيد. كل هذا التباكي والتظاهر بالحزن على فنان الشباب الذي أهانوه وحكموا عليه بالجلد وبالسجن، وأرغموه على التغني بالأماديح الدينية، في محاولة حقيرة لتجيير شعبيته وتأثيره غير العادي في الشباب لمصلحة حروبهم، وسياساتهم الطائشة الغبية، وتجميل وجوههم الشائهة. ولكنها عادتهم المرذولة في استغلال الموتى لمصلحة نظامهم. فعلوا ذلك مع محمد وردي حين سارعوا لتشييع جنازته في الصباح الباكر لدواع أمنية. وهكذا فعلوا مع زيدان حين أهملوه وحكموا عليه بالجلد، وجاءوا في مأتمه ليقولوا للناس إن الراحل شيد مسجداً! وها هم يُقدِمون على الفعلة نفسها مع جثمان محمود عبد العزيز الذي أعادوه إلى البلاد ليلاً، في عز الشتاء، حتى لا يتحول غضب عشاقه ومحبيه من سوء الخدمات الطيبة الذي عجّل بنهايته، ومن إهمال الدولة له مريضاً إلى ثورة عارمة. ألا رحم الله محموداً الذي ستبقى منه الأغنيات العذبة، والصوت الصداح، وكرمه وبره بوالدته وإخوته، وإحسانه لكل من احتاج إليه. وستبقى سيرته العطرة التي لم تعرف خلافاً مع أحد، ولم يضغن في قلبه شيئاً على أحد. إنا لله وإنا إليه راجعون. ولا بد من السؤال: ثم ماذا بعد محمود عبد العزيز؟ لنقف أولاً على المشهد الذي تركه محمود: لا مندوحة من القول ابتداءً أن محمود كان فنان جيله الأوحد وفنان أجيال تلته! إذ كان إنتاجه الغنائي غزيراً في مدى زمني قصير. فقد كانت ذروة نشاطه منذ انطلاقه في 1987-1988 إلى أن وافاه الأجل المحتوم في مطلع 2013 أكثر من 140 أغنية. وحقق --- أكثر