بقلم: د. مجدي الجزولي كفى بك داءً غادر عالمنا الخميس الماضي محمود عبد العزيز فاستقبلت الخرطوم جثمانه استقبال الأحياء عند ربهم يرزقون، من لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهو كذلك بإجماع الجمهور. فجر محمود الحب في قلوب الناس حتى افنجرت في باطنه القرحة، بكته المدينة كثكلى شابة احترق حشاها بالفراق والفزع. لم يغادر محمود جمهوره حيا أو ميتا، غنى بلسان أجيال السودان "المفقودة" إذا جاز التعبير، الذين أصابهم "غدر الزمن" بكلمات أغنيته المشهورة فلا نالوا بلح الإدارة الاستعمارية ولا تمر الدولة الوطنية، شغلهم تلصص الحياة تلصصا في الحطام الذي لا تحسن النخبة السياسية سوى مراكمته وهي تطلب من الناس أن يقفوا عنده وطنا. صنع محمود وطنا من نسج إبداعه لمن استسهلت النخبة السياسية القذف بهم في "حارة" لا تنطفئ، نداءها الثابت هل من مزيد، فنطقت أغنياته بأفئدة العيال الواجفة في وحشة معسكرات التدريب، سيان من استبد به تعلمجي الدفاع الشعبي أو المقاومات المسلحة. سجل محمود الريدة لبرندات الأسواق وهي تحتشد بأجساد مرة كأنها رجس المدينة المعيبة، أجساد مسجاة يبعثها الطرب عند انطلاق موسيقاه من مسجلات المطاعم الشعبية آخر الليل وقد غادر آخر الزباين ولم يبق في ظلام السوق سوى العمل الرخيص والبوليس الملول والكرتة المرتقبة. بطولة محمود عند جمهوره المكلوم متعددة الأوجه، فهو الشاب الذي حصد النجاح والشهرة بموهبته ومثابرته لا ورثة ولا واسطة، وهو "ود الحلة" الذي يعيش الشارع ويسكنه، وهو الضحية الذي خانته الظروف، وهو المتفرد الناشب في حلق الجماعة بالاستثناء السنين، وهو الطيب كثير المعاصي كأنه ملاماتي يسعى الرحمة بصدق الذنب. عاش محمود كل ذلك ككتاب مفتوح فحمل عن جمهوره متاعب العصر وإحنه متصديا بجسده النحيل لكل ما يصيب "الصعلوك" المبدع من سهام السلطة، اجتماعية وسياسية. بان سر محمود أقداما تهد الأسفلت ما ضره بحث المحبين عن جثمانه في بطون الطائرات لكنه فضح بموته تهافت المتصارعين --- أكثر
↧