
جمال الغيطاني ... في رأيي أن الثراء في التنوع والاختلاف مع التفاعل الخلاق، في السودان الجلباب زي وطني وأحيانا شبه رسمي، له خصوصيته في عالم الجلابيب، فليس كل جلباب يشبه الآخر، في الصعيد يختلف التفصيل من قرية إلى أخرى، ثمة فروق دقيقة لا يلحظها إلا خبير. الجلباب في شبه الجزيرة يبرز تفاصيل الجسم، خاصة الظهر، والأكمام فنزل إلى اليد بعنق واحد، بعكس المصري والسوداني الذي يتسع قرب نهاية، وفي مصر نوعان، الأفرنجي والبلدي، والأخير أقرب إلى السوداني، وكلاهما فضفاض لا يسمح بظهور تفاصيل الجسد. لا يكتمل الجلباب السوداني عندي إلا بالعمامة، كذلك جلسة خاصة عند القعدة، تشعر أن الرجل يقف شامخا أكثر مما هو قاعد، ربما مرجعية ذلك رؤيتي الطيب صالح- شفاه الله- مرتديا الزي بكامله، وكان ذلك في المغرب، الطيب حكاء عظيم، مثل حافظ للمتنبي، مهتماً دائما في نطقه ما يضفي عليه صفة الحكمة، يبدو في جلوسه كأنه مستقر فوق سنام جمل، هذا ما يمنحه الجلباب السوداني بشرط اقترانه بالعمامة. في الأمسية التي ألقيت فيها محاضرتي جاء الدكتور صديق مرتديا الجلباب، هكذا ظل إنه شديد الحيوية والنشاط، لا يتوقف عن استخراج مكنونه من الشعر نطقا، ذاكرة قوية، دهشت عندما عرفت أنه حاصل على الدكتوراه في الهندسة وليس الأدب، ابن شقيقته الشاعر السوداني الكبير التيجاني يوسف بشير، أحد أهم شعراء العربية في القرن العشرين، من أعلام المدرسة الرومانسية، من جماعة أبوللو التي تأسست في مصر. في المطار عند سفرنا جاء مرتديا الزي الأفرنجي، عندما حان وقت تناول أحد أقراص الدواء تناول الحافظة الصغيرة التي أرتب فيها ما أمرني به طبيبي الدكتور جلال السعيد، فوجئت بصديق المجتبي يشرح لي عمل كل دواء معي، يتحدث كخبير، قال إنه ألم بذلك أثناء علاج والده صديق المجتبي من الصحب الذين اكتسبتهم خلال زيارتي السريعة تلك، أذكره فكأني أعرفه من بعيد. * طيور الصباح رغم أن الماء في الكوكب واحد، مستواه واحد، لا يزيد هنا عن هناك، --- أكثر